"قلب الحجرة الصفية": تجربة شخصية

"قلب الحجرة الصفية
(Flipping the classroom) هذه هي الترجمة الحرفية لصَيحة وظاهرة جديدة في طُرق التدريس بدأت منذ حوالي أربع سنين، وهي، بحسب الخبراء، من أنجح الظواهر وأكثرها تسارعا في التطبيق في عالم التدريس هذه الأيام. ومعناها ببساطة نقل "المحاضرة" إلى البيت، ونقل "الواجب المنزلي" إلى الحجرة الصفية، ولذلك سُميت بـ "قلب الحجرة الصفية"، لأنّ المعتاد في الطرق التقليدية للتدريس أن يقوم الأستاذ بشرح المادة العلمية في حجرة الصف، ثم يكلف التلاميذ بمسائل أو واجبات أو تمارين، تعزِّز فهمهم للمادة المشروحة وتقيس ذلك، يقومون بحلها في البيت. أما في هذه الطريقة فالأمر مقلوب؛ إذ إنّ شرح المادة العلمية يتلقاه التلميذ في البيت، والمسائل والتمارين والواجبات يقوم بحلها في حجرة الدرس تحت إشراف المعلم، وعليه، فلا "محاضرة" في "المحاضرة" بل مجرّد أوراق عمل توزع عليهم تتضمن مسائل وتمارين وواجبات تقيس وتعزّز فهم الطلاب للدرس المشروح مسبقا للطلاب في البيت، ثم يقوم الأستاذ بالإشراف على تلاميذه أثناء قيامهم بحل هذه الواجبات ويزودهم بما يحتاجون إليه من التغذية الراجعة على أدائهم في حجرة الدرس.
ولعلك تتساءل ـ عزيزي الأستاذ ـ فتقول: نقل الواجبات والتمارين إلى حجرة الدرس ممكن ويسير، ولكن كيف تُشرح المادة العلمية للطالب في البيت؟ والجواب هو عن طريق تكنولوجيا تسجيل المحاضرات سلفا: إما بالصوت وحده وإما بالصوت والصورة. فالأستاذ في هذه الطريقة يسجّل محاضرته صوتا أو صوتا وصورة، ويرسلها للطلاب عن طريق الإنترنت قبل موعد المحاضرة بيوم أو يومين، فيستمع إليها الطلاب في البيت بحسب فراغهم ثم يُعِدّ الأستاذ التمارين والمسائل والواجبات على هيئة أوراق عمل يؤدونها في وقت المحاضرة.
هذه الطريقة، بحسب الإحصاءات والدراسات، استطاعت أن تحسّن من نسبة درجات النجاح للطلاب من 30% إلى 75%، وفي إحدى الجامعات لما طُبّقت هذه الطريقة في بعض المقررات قلَّ الرسوب (F) وشِبه الرسوب (D) بنسبة 15% عن المعتاد. وهذه الطريقة تحظى بشعبية كبيرة بين الطلاب؛ إذ يفضلها على الطريقة التقليدية أكثر من 90% من الطلاب الذين جربَّوا الطريقتين.
لقد جَرّبتُ هذه الطريقة جزئياً في المقرر الذي أدرسه ها الفصل (قانون الأسرة) ووجدتها بالفعل طريقة مثمرة أكثر في التدريس، وتجعل التواصل أكبر بين المعلم والطالب في الحجرة الصفية، كما أنها تقتل روتين الإلقاء والتلقين وتدفع الملل عن المحاضرة وتشجّع على التعلم التعاوني بين الطلاب، وتوفِّر وقتا للأستاذ للتعمّق في المادة المدّرسة.
وقد يبدو لبعض الأساتذة أن هذه الطريقة متعبة للأستاذ. وهذا حق من جهة وباطل من جهة أخرى، فأما كونه حقا فهذا في البدايات فقط فالأمر شاق بعض الشيء حتى يعتاد الأستاذ على طرق تسجيل المحاضرة ووضعها على الإنترنت وعلى طرق إعداد أوراق العمل. أما بعد أن يعتاد على ذلك فالأمر يسهل جداً، خصوصا إذا كان المقرر مما يتكرر تدريسه من قبل الأستاذ، فحينئذ يجد الأستاذ أن التدريس بهذه الطريقة أسهل وأيسر وأكثر متعة من التدريس بالطريقة التقليدية. والحقيقة أنّ الفرح الذي يشعر به الأستاذ عندما يرى طلابه متفاعلين مع أوراق العمل وأنَّ مستوى فهمهم وتحصيلهم وكتابتهم تتحسن باستمرار يعوّض كل التعب الذي تعبه في البدايات.
وللقيام تسجيل المحاضرة مسبقا وإرسالها إلى الطلاب توجد طرق وبرامج كثيرة تخدم هذا الغرض، ولكن من تجربتي الشخصية وبعد تجريب عدد من هذه الطرق فإنّ أفضل الطرق وأسهلها لعمل ذلك وأحسنها في توصيل الفكرة للطلاب دون عناء كبير من الأستاذ هي باستعمال برنامج البوربوينت مع إرفاق شرائح الدرس بصوت الأستاذ، وهذا لا يكلِّف الأستاذ كثيرا من الجهد لتعلمه وإتقانه، لأن أكثر الأساتذة على معرفة عامة باستعمال برنامج البوربوينت.
ومثالا على ذلك انظر هذا الدرس من مقرر قانون الأسرة وقد جعلته في ملف بوربوينت مقرونا بالصوت الشارح، ثم حولته إلى فيديو، ورفعته على اليوتيوب:




وانظر إلى أوراق العمل التي طلبت من الطلاب حلها في حجرة الدرس على شكل مجموعات ثلاثية وثنائية. هنا  و هنا .
وعلى هذا الرابط تجدون مقالات متنوعة حول طريقة "قلب الحجرة الصفية":
http://www.edudemic.com/?s=flip+class
والآن أخبرني برأيك في التعليقات حول هذه الطريقة من طرق التدريس سواء أكنت معها أو ضدها.

وكتبه د. أيمن صالح

تعليقات

  1. أحسنت أخي الكريم الدكتور أيمن، والفكرة ممتازة،
    ويمكن تطبيقها كليا أو جزئيا حسب رؤية كل أستاذ وحسب طبيعة كل درس أومحاضرة
    خالص تحياتي وتقديري لك
    أ.د. محمد عبد اللطيف

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا د. محمد
      نعم طبيعة الموضوع تؤثر في اختيار طريقة التدريس المناسبة، لكن على الأستاذ أن لا يستقر على طريقة واحدة لأنه اعتاد عليها، بل عليه أن يستكشف ما هو أفضل، والحكمة ضالة المؤمن.
      الموضوعات التي تشتمل على مسائل و "مشكلات" يراد حلها تناسبها هذه الطريقة بامتياز.

      حذف
  2. فكرة رائعة يا دكتور أيمن فى اسغلال التكنولوجيا في عملية التعليم، بديلة عن الطرق التقليدية المملة غالبا، ولكن يحتاج الأستاذ إلى بعض المجهود حتى يتعلم طريقة التسجيل والرفع في النظام. ويحتاج الطالب أيضا إلى بعض الوقت لكي يستمع إلى المحاضرة خارج وقت المحاضرة...

    مع أطيب تحيات
    د. رفاعي

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا دكتور رفاعي
      ممكن نرتب لورشة عملية حول كيفية تسجيل المحاضرة الفصل القادم إن أحببتم

      حذف
  3. اكرمك الله دكتور هي نفحة جديرة أن يتوقف عندها تعزيزا للعملية التربوية

    د. علي عيسى

    ردحذف
  4. أما أهل التراث فيقولون :
    رحم الله الإمام مالك ووالدته التي ألبسته لباس العلماء
    وهو صغير ؛ ثم قالت له في يومه الأول :
    " إذهب إلى ربيعة (فخذ منه الأدَبَ) قبل العلم "
    نعم يادكتور أيمن وجزاك الله خيراً والإخوة الزملاء جميعاً
    نعم يمكن تحصيل العلم عن بعد بأكثر من طريقة
    ولكن كيف السبيل إلى نقل صفات ومناقب العالم السلوكية
    إلى تلاميذه من غير لقاءٍ وسماعٍ واحتكاكٍ مباشر ؟!
    وأنتم أعلى من التذكير بفضل الأدب والتربية قبل التعليم
    ولا سيما في هذا الزمن .. !!
    والله أعلم .
    د. محمد الشيب

    ردحذف
    الردود
    1. جزاك الله خيرا دكتور محمد
      كلامك سليم مائة بالمائة أخي الكريم، لكن هذه الطريقة لا تلغي دور المعلم بل تعززه، إنما تخفف من طريقة التلقين والإلقاء لتجعل وقت الحصة على شكل مسائل وتمارين، ويُنقل التلقين إلى البيت.
      يعني الانتقال من طريقة الإمام مالك إلى طريقة الإمام أبي حنيفة وأصحابه، فإنه كان يلقي المسألة على تلاميذه ويدعهم يتفكرون في جوابها ثم يجيب عنها آخر الأمر.
      والله أعلم

      حذف
    2. أشكركم جميعا على ملاحظاتكم القيمة، وفي الحقيقة أن هذا النظام الذي كتب الإخوة الزملاء حوله تعليقاتٍ نظامٌ معروف يسمى بنظام التعليم عن بُعد، وهو نظام مطبّق في بعض الجامعات التركية ومنها جامعة صكاريا، فهل هو بشكل مذكور ناجح مائة بالمائة؟ سؤال يحتاج إلى جواب المتخصصين والذين جربوه، والذي أعتقده أنا أن هذا النظام يصلح لمن ليس عنده إمكانية التتلمذ على الأساتذة وجها بوجه، وهذا أمر يرجع أيضا إلى سياسة الجامعة في التدريس، وقد تفتح الجامعة قسما خاصا للتعليم عن بُعد، لأنه يحتاج إلى عمل خاص من ستوديو وإلى غير ذلك من وسائل.
      وفي النهاية أرى أن هذا الذي نُقل إلينا عن طريق الأخ أيمن صالح نطبقّه جزئيا في دروسنا إذ أننا نرسل إلى الطلاب الملزمة على برنامج باوربوينت حسب طبيعة المادة، ونطلب من الطلاب أن يعدوا أنفسهم لتلقي الدرس في المحاضرة، وما دام الطلاب يرون أستاذهم في المحاضرة لماذا يرسل إليهم الدرس مشروحا؟ إلا أن هذا النظام يصلح – كما قلت – لمن لا يستطيع الحضور في المحاضرات لأشغاله، وسجل في التعليم عن بُعد إن وُجد. والله أعلم.
      د/محمد آيدين

      حذف
    3. شكرا د. أيدن على هذه الفوائد
      في الحقيقة هذه الطريقة ليست هي المسمّاه بطريقة "التعليم عن بعد"، لأن طريقة التعليم عن بعد لا يحضر فيها الطلاب لى حجرة الصف بل يستمعون المحاضرة ويقومون بواجباتهم في بيوتهم بحسب فراغهم.
      أما في هذه الطريقة فهم ملزمون بالحضور إلى حجرة الدرس لكنهم لا يتلقون شرحا بل تطبيقات ومسائل وأنشطة لأن الشرح أرسل إليهم سابقا.
      أرجو أن يكون هذا واضحا.
      وعملية تسجيل المحاضرة لا تتطلب استوديو ولا مايكروفون أو أي شيء آخر فقط جهاز اللابتوب الذي معك مع برنامج البوربوينت، فالأمر سهل وإن كان يحتاج إلى تدريب أولي على ذلك لمن أحب أن يجرب هذه الطريقة.

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دليلك السريع للتعامل مع موقع تقييم الأداء السنوي في جامعة قطر

أهم التعديلات على لائحة الترقيات الجديدة في جامعة قطر