سبعُ طرق لجعل مراجعات الطلاب وتظلُّمُهم بشأن درجاتهم في الحدّ الأدنى

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، وآله، ومن والاه، وبعد:
فرصد الدرجات النهائية، وإعلانها للطلاب، وترقُّب عواقب ذلك، أحد أثقل الأعباء التدريسية النّفسية التي يضطلع بها عضو هيئة التدريس. ففترة الحصاد هذه ربّما تعادل في ثقلها النفسي والمعنوي، جميع الأعباء التدريسية المادية التي يضطّلع بها الأستاذ خلال الفصل كلِّه، وذلك لأنّ هذه الدرجات المرصودة، من جهة، تحظى بمتابعة إدارة القسم والكلية والجامعة، من حيث توافقها مع معايير التقييم العادل والمنطقي الذي يراعي الفروق الفردية، ولا يشذُّ عن منحنيات التوزيع الطبيعية للدرجات غير المتضخّمة، سواءٌ في جانب الدرجات المرتفعة أو المنخفضة. ومن جهة أخرى، هذه الدرجات ربّما لا تلقى قناعة ورضاً تسليماً من قبل بعض طلاب المقرر أو كثيرٍ منهم، ففي أقلّ الأحوال قد يبادر بعضهم بالتذمُّر وإظهار التبرُّم، وفي أسوئها قد يلجأ بعضهم إلى الشكوى الرسمية وطلب مراجعة ورقة الامتحان النهائي، وغيره من أدوات التقييم، مستغلا في ذلك لوائح الجامعة التي تفتح له باب المراجعة على مصراعيه حتى بعد تثبيت الدرجات على البانر.
ولهذا يقع الأستاذ في وسط لجج من النيران النفسية تلسعه ذات اليمين وذات الشمال: فهل يستجيب لإلحاح هذا الطالب المستميت برفع الدرجة بناء على معطيات غير مقنعة، أكاديمياً، للأستاذ، أو هل يرفض ذلك فيكسب سمعة غير حسنة بين الطلاب بكونه متشدِّداً و"خشبي"، أو على الأقل يغامر باحتمال إثارة عداء هذا الطالب المتذمِّر له، والذي قد يلجأ إلى الشكوى للجهات الإدارية العليا متجنّياً على الأستاذ في كثير من الأحيان، وفاتحاً لباب الحرب عليه بتضمين شكواه كلَّ نقيصةٍ على الأستاذ، لاحظها هو أو سمع بها أحد من زملائه، زوراً أو حقّاً، خلال الفصل كله، أو ربما في فصول سابقة.
وللتقليل من وطأة هذا العبء النفسي الثقيل، وتخلّصاً من عواقبه قدر الإمكان، وتمشياً مع بعض الأفكار الوجيهة التي طرحها رئيس قسم الدراسات الإسلامية، أثابه الله، وغيره من أعضاء القسم في الاجتماع الذي خُصص لهذا الغرض يوم أمس، فإني أُحبُّ أن أشارك إخواني بذكر سبع طرق تساعد من يحتاج منهم إلى مساعدة على تقليص مراجعات الطلاب له وتظلمِّهم من الدرجات إلى الحد الأدنى. شخصياً أنا أستعمل هذه الطرق، أو أكثرها، مما يجعل مراجعات الطلاب لي في الحد الأدنى عادةً، وبنسب ضئيلة جِداً لا تتعدّى خمسة بالمائة من مجموع الطلاب.
وهذه هي الطرق السبع:
أولا: وكما بيّنت في الاجتماع المذكور، على الأستاذ تذكير الطلاب أثناء الفصل الدراسي، وفي أكثر من مرّة، بإخلاص النية في طلب العلم، الذي هو من أفضل أنواع العبادة، (ويحسن في هذا الصدد مراجعة موضوع آداب المتعلم وكتاب الإخلاص من إحياء علوم الدين، وغيرها من كتب التراث التي تناولت هذا الموضوع). قال الشيخ عبد الحميد بن باديس، رحمه الله: "غاية العالم المسلم أن يهتدي في نفسه وأن يهدي غيره، أما أكثر الطلاب فمنهم من تكون غايتهم الوظيفة، فهم في غفلة من أنفسهم وعن غيرهم، ومنهم من تكون غايته أن ينال الشهادة بالعلم، فهو مثل الأول. فأمّا الغاية الحقيقية التي ذكرنا فما أقل أهلَها لأنها لا ذكر لها في برامج التعليم، ولا اهتمام بها من المعلّمين. وحقٌّ على كل طالب أن تكون هي غايته، وهو مع ذلك نائل العلم ونائل ما يؤهله للوظيفة إن أبى إلا أن تكون الوظيفة من قصده، ولكنّه بالقصد إلى تلك الغاية يكون عاملاً في أثناء تعلمه على تهذيب نفسه، ويكون مصدر هداية الناس في المستقبل، لكن هذا إنما يتم للطالب إذا كان شيوخُه يهتمون بهذه الغاية، ويعملون لها، ويوجِّهون تلامذتهم لها. وما أعزَّ هذا الصنف من الشيوخ" (ابن باديس لعمار الطالبي 4/203). ويركّز الأستاذ في طرحه على أنّ الأصل أن يكون مقصود الطالب من طلب العلم هو حصول الفهم والفائدة، وذلك لكي يعمل في نفسه بما يتعلم، ويدعو الآخرين إلى العمل به، وأنّ الدرجات ما هي إلا وسيلة لتقييم القدر المعرفي والمهاري الذي حصل عليه الطالب في المقرّر لا غير، وأنّه لا يجوز ـ في مجال العلم الديني ـ أن يكون الحافز الأكبر للطالب على الدراسة هو تحصيل الدرجة والشهادة أو المنصب؛ لأنّ هذا يُخلّ بالإخلاص ويمحق الثواب، بل يجلب العقاب، كما ثبت ذلك في حديث "أول ثلاثة تسعر بهم النار..." رواه مسلم، وغير ذلك من الأحاديث.
ثانياً: الوضوح إلى الحدّ الأقصى الممكن في وضع معايير التقييم وسلالمه لجميع أدوات التقييم، وتزويد الطلاب بتغذية راجعة فورية على أدائهم فيها. فاتباع معايير التقييم ومؤشرات الأداء التي تشتمل عليها بدقة، له أثرٌ كبير في اقتناع الطالب بالدرجة الممنوحة له، هذا فضلا عن فائدتها التربوية له. (برنامج "مقيّم الفعاليات" الذي سبق لي في مناسبة سابقة تنبيه الأساتذة الكرام على استعماله، يوفّر طريقة عَمَليّة سهلة لوضع معايير تفصيلية لأدوات التقييم). أسئلة الامتحانات ينبغي أن تكون واضحة لا تحتمل التفسيرات المختلفة، كما ينبغي أن تكون مفقَّرة تفقيرا تفصيلياً مع ذكر الدرجة المستحقة على كل فقرة. تجنب الأسئلة ذات الإجابات المفتوحة والواسعة ما أمكن ذلك، وإن دعاك داع إلى ذلك داعٍ فاذكر معايير تقييم السؤال على ورقة الأسئلة نفسها بجوار السؤال. وما ينطبق على الامتحان ينطبق أيضا على جميع التعيينات، والأنشطة، وأوراق العمل التي تدخل في عملية التقييم.
ثالثاً: إعلام الطلاب بدرجات جميع أعمال الفصل وتخصيص وقت للمراجعة بشأنها، إن احتاج الأمر، قبل بداية فترة الامتحانات. وهذا يجعل المراجعة في فترة الامتحانات قاصرة على ورقة الامتحان النهائي فحسب. وفي أعمال الفصل المفضَّل هو فتح مجال لمراجعة كل أداة مستخدمة للتقييم فور رصد درجتها وعدم تأخير ذلك إلى نهاية الفصل. ومن الأخطاء الجسيمة، في نظري، تأخير رصد بعض عناصر التقييم، كالمشاركة وغيرها، إلى ما بعد تصحيح ورقة الامتحان النهائي؛ لأنّ هذا، فضلاً عن كونه مخالفاً لسياسات الجامعة بضرورة معرفة الطالب درجات أعماله الفصلية قبل دخوله إلى الامتحان النهائي، فإنّه يعطي الطلاب انطباعاً بأنّ الأستاذ غير موضوعي ومعياري في وضع درجات المشاركة، بل يعدّل فيها للتوائم مع الدرجة التي يريدها هو للطالب لا الدرجة التي يستحقها الطالب فعلا، والطلاب أذكى مما نتصور في هذه الأمور، والظن السيء بالأستاذ غالب على كثير منهم للأسف.
رابعاً: لا تكن ليّناً مع الطلاب أثناء مراجعاتهم في أعمال الفصل فتزيد من يراجعك منهم في درجاته وهو لا يستحق الزيادة، لأنّ هذا يولد لديهم انطباعاً بأنك مُتساهل و"كريم"! فيغريهم ذلك بمراجعتك أيضا في فترة الامتحانات النهائية. فأرهم من نفسك صرامةً في الحق في مراجعات أعمال الفصل لا سيّما امتحان المنتصف.
خامساً: لا ترصد درجة الامتحان النهائي على البلاكبورد بعد التصحيح مباشرة، وفي الوقت نفسه لا تطلب من الطلاب مراجعتك في المكتب للاطلاع على درجة الامتحان والتقدير النّهائي، بل أرسل لهم درجة الامتحان والتقدير النّهائي قبل رصد ذلك على البلاكبورد مستخدماً الإيميل. وهناك طريقة أتوماتتيكية تمكِّنك من إرسال جميع الدرجات للطلاب قبل رصدها على البلاكبورد عبر الإيميل بضغطة زرٍ واحدة ولكلّ طالب باسمه على حدة. ونحن في لجنة التنمية المهنية في الكلّية على استعداد للترتيب لعقد ورشة للتدريب على هذه الطريقة، وهي سهلةٌ لا تتطلّب كثيراً من العناء.
سادساً: ضع سياسة موحّدة للتعامل مع الدرجات الحرجة (59، 64، 69، ...الخ) وأعلنها في توصيف المقرر، أو بُعيد تصحيح أوراق الامتحان النهائي، والتزم بسياستك المعلنة. ولا تنس أن تذكُر للطلاب أن هذه السياسة خاصّة بالتعامل مع الدرجات الحرجة قبل مراجعة الطالب ورقته، أمّا بعد المراجعة فتُرصد الدرجة الحرجة كما هي. ويُفضَّل في هذا المقام رفع وتعديل الدرجات الحرجة تلقائياً قبل رصد الدرجة وقبل إعلام الطالب بها. وفي حالة وجود تضخُّم واضح لديك في بعض التقديرات، وكان رفع الدرجات الحرجة يؤدّي إلى زيادة هذا التضخم، فأعد تصحيح الورقة ذات الدرجة الحرجة، فإمّا أن تزيدها أو تنقصها ولكن لا ترسلها للطالب كما هي. وكذلك فافعل في الدرجات ما دون الحرجة (58، 63، 68، ...الخ)، أعد تصحيح هذه الأوراق، وقُم: إمّا بزيادتها إن وجدتها تستحق الزيادة وإما بتنقيصها إذا وجدت نفسك قد كَرُمت على الطّالب في التصحيح، ويندر جدا أن تجد نفسك لم تزد الطالب أو تنقصه إلا في الامتحانات الموضوعية الصرفة. المهم حاول أن لا ترسل للطالب درجة حرجة أو ما دونها، لأنك إن فعلت ذلك أغريت الطالب بالمراجعة والتظلّم بلا بد. علماً بأنّ معايير التقييم في التخصُّصات الإنسانية، ومنها علوم الدين، ليست حدّيّة ودقيقة كما هو الشأن في التخصُّصات العلمية، كالرياضيات والفيزياء، بل هناك هامش سوء تقدير في التصحيح والتقييم يصل إلى ثلاث درجات أو أكثر حتى عند أدقّ الأساتذة وأحنكِهم وأمرسِهم. هذا فضلا عن وجود نسبة لا بأس بها من الغموض والاحتمالية في صياغة الأسئلة، وضبابيّة في وضع معايير التقييم، فلا تكن في هذا المجال متشدِّداً ولا تكن مُتراخياً، وخذ بنصيحة من قال: "لا تكن حلواً فتُبلع، ولا مُرّاً فتُلفظ".
سابعاً: رغم قيامك بكل الطُّرق والإجراءات السابقة فستجد من الطلاب من لا يزال يلحّ عليك بتعديل درجته استجداءً وتوسُّلاً واسترحاماً، لأنّه ربما يكون مهدّداً بإنذار أو تفصِل بينه وبين الرسوب ثلاث درجات أو نحوها. وفي هذه الحالات، وهي قليلةٌ عادةً إذا كنت قد التزمت بالطرق السابقة، لا تتّخذ موقفا حدّياً صارماً وسياسةً موحّدة بالرفض أو القبول، بل راعِ كلّ حالة بحسبها، وغلِّب الرحّمة على العدل لا سيّما في حالات الرسوب والتهديد بالفصل. ومهما يكن من أمر فاحذر أن يخدعك الطالب فيقول لك: أنا مهدَّدٌ بإنذار بالفَصل وهو ليس كذلك، أو يقول لك: أنا خرّيج وهو ليس كذلك، أو يقول لك: ستُقطع عني المنحة بسبب الدرجة مع كون ذلك غير صحيح. لا بدّ أن يقدِّم الطالب دليلا مادّياً على صحّة الدعوى: إما عن طريق رئيس القسم، وإما عن طريق مكتب نائب العميد لشؤون الطلاب.
هذا ما في جُعبتي من طرق واقتراحات وجدتها مجدية، بعد التجربة، ومن المؤكّد أنّ لديكم طرقاً وأفكاراً أخرى، أرجو أن تشاركونا بها وبتعقيباتكم على هذا المقال في أسفل هذه الصفحة.
وكتبه:
د. أيمن صالح

تعليقات

  1. أ.د. محمد عبد اللطيف10 فبراير 2014 في 4:03 م

    شكر الله لكم أخي الكريم الدكتور أيمن على هذه النصائح القيمة والتي تنبئ في لغتها وأسلوبها ومضمونها عن عضو هيئة تدريس نابه وقدير

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دليلك السريع للتعامل مع موقع تقييم الأداء السنوي في جامعة قطر

ثماني صفات للاختبار الجيد

أهم التعديلات على لائحة الترقيات الجديدة في جامعة قطر