مستقبل مهنة التعليم بعد كورونا


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإذا كان فايروس كورونا، بعد انقشاعه قريبًا إن شاء الله، سيترك أثرًا في العالم على مهنة من المهن فلن يكون أشدَّ منه على مهنة التعليم. فمع اضطرار كثير من مؤسسات التعليم إلى التحوّل إلى "التعليم عن بُعد" نشأت، أو ربّما ترسخّت، توجّهاتٌ جديدة نحو هذا النوع من التعليم: كثيرٌ من المؤسّسات وجدت فيه فرصة لتقليل النفقات باستيعاب أعداد كبيرة من المتعلمين في الصف الواحد والدرس الواحد، وكثيرٌ من المتعلمين، ولاسيما الذين يتكلّفون نفقات للوصول إلى مقارّ دراستهم وجدوا في "التعليم عن بُعد" سبيلا لاختصار هذه النفقات، هذا فضلا عن الرفاهية في الاستماع للدرس في الوقت المناسب والحال المناسبة، ولا سيما مع كون الدرس مسجَّلًا في الغالب فيمكن مشاهدته في المناسب من الأوقات والأحوال. وفي "التعليم عن بُعد" وجد بعض المعلِّمين الموهوبين ممّن يحسنون إعداد المادة العلمية لتعرض عن بُعد، فرصةً أكبر للانتشار والشهرة والإفادة.

"التعليم عن بُعد" بدأ يزحف بخيله ورَجْله على التعليم المباشر منذ مدّة ليست باليسيرة لكنه الآن حثَّ الخُطا إلى ذلك سريعًا. صحيحٌ أنّ هناك طائفةً من الناس، معلِّمين ومتعلِّمين وأهالي ومؤسّسات، ضاقوا ذرعًا بـ "التعليم عن بُعد" لما وجدوا من ضعف وخللٍ في آثاره؛ لأنّ كثيرًا من الأساتذة انكبُّوا عليه من غير خبرة ولا إعداد مسبق وظنوه فقط هذا النوع من المحاضرة الحيّة المزامنة لوقت الدرس، مع أنه أوسع وأعمق من ذلك بكثير. وهو يعتمد على الإعداد المسبق المكثف قبل الدرس بل قبل بداية الفصل الدراسي، لا على الأداء وقت الدرس كما هو حال التعليم وجها لوجه. وعلى أي حال هذا الانطباع لا أظنه سيكون عقبة في وقف هجمة هذا النوع من التعليم واحتلاله مواقع كثيرة كان يحتلها التعليم المباشر.

لكن ماذا سيكون أثر هذه الهجمة على مهنة التعليم؟ لا مراء في أن مخرجات هذا النوع من التعليم في الوضع المفاجئ الذي ساد في ظل هذه الجائحة أضعف بكثير من مخرجات التعليم المباشر، لكن مع تحسينات كثيرة في إعداد المادة التعليمية واختيار أبرز المعلمين الأكفاء لإنتاجها بالتعاون مع مختصين تقنيّين في تصميم المقررات الإلكترونية وتكنولوجيا التعليم، مع ما يلزم لهذه المقررات من فيديوات احترافية تصحبها وسائل الإيضاح والحركة، وأنشطة تعزيزية، وتقييمات مبتكرة، ومع تبني طريقة التعليم الهجين للتقليل من آثار الغياب الكلي للتعليم وجها لوجه، وللحد من الغش في الامتحانات بعقدها في أماكن تخضع للمراقبة، لا شك أنه مع هذه الإجراءات سوف تتحسّن مخرجات "التعليم عن بُعد" بل قد تضاهي مخرجات التعليم المباشر وتتفوّق عليها. ولذلك فإنّ التوجه العام لدى أكثر مؤسّسات التعليم العالي في العالم هو المزيد من الانفتاح على تجربة "التعليم عن بعد"، بل ثمّة برامج كثيرة معترف بها لدى أكبر الجامعات العالمية تُؤدّى بنسبة 80% أو 90% عن بُعد. وهذا الأمر سينتقل لبقية جامعات العالم عاجلا غير آجل.

مثلا في جامعة قطر بدأت الجامعة بدراسة تقديم مقرّرات عن بعد بشكل احترافي ودائم بل باشرت هذا الأمر في بعض المقررات الصيف الماضي، وسمحت لأي أستاذ يريد تحويل مقرره ليؤدَّى عن بعد كليا، أو جزئيًّا أن يتقدم بطلب بهذا الخصوص، وأتوقَّع أن يتوسّع الأمر، وقد يصل إلى طرح برامج كاملة هجينة تُؤدّى بنسبة كبيرة عن بُعد فيما يستقبلنا من السنوات.

مهنة التعليم لا شك ستتأثر بهذا التوجه العالمي نحو "التعليم عن بعد": 

سوف يتم الاستغناء عن أعداد كبيرة من المعلمين ولا سيما ممّن لا يتقنون إعداد المادة التعليمية لتؤدّى عن بُعد، بما يشمل تسجيل الفيديوات المتقنة المصاحبة لوسائل الإيضاح، وإعداد الأنشطة ووسائل التقييم التي تُصحَّح إلكترونيا. 

ستقل الحاجة للأستاذ الخبير في الحقل العلمي وتزداد الحاجة للأستاذ الخبير بتكنولوجيا التعليم، وستلجأ بعض الجامعات إلى الاكتفاء بعدد قليل من الدكاتره الخبراء في الحقل العلمي يصحبهم عدد أكبر من الفنّيين أو مساعدي التدريس الخبيرين بالتقنية.

بالنسبة لمعلمي المدارس "التعليم عن بُعد" سيكون نذير شؤم لكثير منهم ممّن لا يتقنون تكنولوجيا التعليم التي باتت تضاهي في أهميتها إتقان التخصص العلمي. وأما أساتذة الجامعات فكما قلت سيُستغنى عن كثير منهم ويكتفى بمساعدي تدريس يصحبون من تبقى في وظيفته منهم ممن يحترف التعليم ويتقن التخصص ولكنه لا يحترف التكنلوجيا، إذ ستكون رواتب هؤلاء المساعدين أقل بكثير من الأساتذة حملة الشهادات العليا، ويستثنى من ذلك الجامعات التي تهتم بالبحث أكثر من التدريس فالأستاذ الباحث لن تتأثر وظيفته بما يحصل من تطوُّرات في مجال التعليم. هذا في المدى المنظور، وأمّا بعد ذلك فالله أعلم.

هل توافقني على هذه التأملات والتخرُّصات. اعرض رأيك في التعليقات.

وكتبه
أيمن صالح

تعليقات

  1. أوافق على ذلك وهذا التوجه فقط في الدراسات العليا ماجستير ودكتوراه أما البكالوريوس وما قبلها فلا.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دليلك السريع للتعامل مع موقع تقييم الأداء السنوي في جامعة قطر

ثماني صفات للاختبار الجيد

أهم التعديلات على لائحة الترقيات الجديدة في جامعة قطر